فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قال الزَّجَّاج: كلمة مِنْ هاهنا صِلَة زَائِدَة، والتَّقْدِير: وَمَا أرْسلْنَا رَسُولًا.
قوله: {ليطاع} هذه لاَمُ كي، والفِعْلُ بَعْدَها مَنْصُوب بإضْمَار أن، وهذا استِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ من المَفْعُول لَهُ، والتَّقْدِير: ومَا أرسَلْنَا من رسُولٍ لشَيْءٍ من الأشْيَاءِ إلاَّ للطَّاعَةِ.
و{بإذن الله}. فيه ثلاثَةَ أوْجُه:
أحدها: أنه يَتَعَلَّق بـ {لِيُطَاعَ} والبَاءُ للسَّبَبِيَّة، وإليه ذَهَب أبُو البَقَاءِ؛ قال: وقيل: مَفْعُولٌ به، أي: بِسَبَبِ أمْر اللَّه.
الثاني: أن يَتَعَلَّق بـ {أرسلنا} أي: وما أرسلنا بأمْرِ اللَّه، أي: بِشَرِيعَته.
الثالث: أن يتعلَّق بِمحْذُوفٍ على أنه حالٌ من الضَّمِير في {يطاع} وبه بَدأ أبُو البَقَاء.
وقال ابن عَطِيَّة: وعلى التَّعْلِيقَيْنِ؛ أي: تعليقُهُ بـ {يطاع} أو بـ {أرسلنا}، فالكلام عَامٌّ واللَّفْظُ خاصٌّ، المعنى لأنَّا نَقْطَع أن اللَّه قد أرَاد من بَعْضِهِم ألاَّ يُطيعُوه، ولذلِك تأوَّل بَعْضُهم الإذْن بالعِلْمِ، وبعضهم بالإرْشَادِ.
قال أبو حَيَّان: ولا يَحْتَاجُ لذلك؛ لأن قَوْلَه عامُّ اللَّفْظِ مَمْنُوع؛ وذلك أن {يطاع} مبني للمَفْعُول فيقدر ذَلِك الفَاعِل المَحْذُوف خَاصًا، وتقديره: إلاَّ ليُطيعَه من أراد الله طاعَتَهُ.
قوله: {ولو أنهم} قد تقدم الكلام على أنَّ الوَاقِعَة بعد لَوْ، و{إذْ} ظَرْفٌ معمول لخبرِ أنَّ وهُو {جاءك}، وقال: {واستغفر لهم الرسول}، ولم يقل: واسْتَغْفَرْت، خُرُوجًا من الخِطَابِ إلى الغَيْبَة، لما فِي هذا الاسْمِ الظَّاهِر من التَّشْرِيف بوَصْفِ الرِّسَالة، إجْلالًا للرَّسُول عليه السلام ووَجَدَ هنا يُحْتَمِل أن تكُون العِلْمِيَّة، فتَتَعَدَّى لاثْنَيْن والثاني: {توابًا}، وأن تكون غير العِلْميَّة، فتتعدى لِوَاحِدٍ، ويكون {توابًا} ويحتمل أن يَكُون خَبَرًا ثَانيًا في الأصْلِ، بنَاءً على تعَدُّد الخَبَر وهو الصَّحيح، فلما دَخَل النَّاسِخ، نَصَب الخَبَر المُتَعَدَّد، تقول: زَيْد فَاضِلٌ شاعِرٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ، ثم تقول: علمت زَيْدًا فَاضِلًا شَاعِرًا فَقِيهًا عَالِمًا، إلا أنَّهُ لا يَحْسُن أن يُقَال هُنا: شاعرًا: مفعول ثالِث، وفَقِيهًا مفعول رابع، وعَالِمًا: خامس. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} قال: واجب لهم أن يطيعهم من شاء الله لا يطيعهم أحد إلا بإذن الله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} الآية قال: هذا في الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: الاستغفار على نحوين: أحدهما في القول، والآخر في العمل. فأما استغفار القول فإن الله يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول} وأما استغفار العمل فإن الله يقول: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33] فعنى بذلك أن يعملوا عمل الغفران، ولقد علمت أن أناسًا سيدخلون النار وهم يستغفرون الله بألسنتهم، ممن يدعي بالإسلام ومن سائر الملل. اهـ.

.تفسير الآية رقم (65):

قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أفهم ذلك أن إباءهم لقبول حكمه والاعتراف بالذنب لديه سبب مانع لهم من الإيمان، قال- مؤكدًا للكلام غاية التأكيد بالقسم المؤكد لإثبات مضمونه و{لا} النافية لنقيضه: {فلا وربك} أي المحسن إليك {لا يؤمنون} أي يوجدون هذا الوصف ويجددونه {حتى يحكموك} أي يجعلوك حكمًا {فيما شجر} أي اختلط واختلف {بينهم} من كلام بعضهم لبعض للتنازع حتى كانوا كأغصان الشجر في التداخل والتضايق.
ولما كان الإذعان للحكم بما يخالف الهوى في غاية الشدة على النفس أشار إليه بأداة التراخي فقال: {ثم لا يجدوا في نفسهم حرجًا} أي نوعًا من الضيق {مما قضيت} أي عليهم به، وأكد إسلامهم لأنفسهم بصيغة التفعيل فقال: {ويسلموا} أي يوقعوا التسليم البليغ لكل ما هو لهم من أنفسهم وغيرها لله ورسوله صلى الله عليه وسلم خالصًا عن شوب كره؛ ثم زاده تأكيدًا بقوله: {تسليمًا} وفي الصحيح أن الآية نزلت في الزبير وخصم له من الأنصار، فلا التفات إلى من قال: إنه حاطب رضي الله عنه. اهـ.

.سبب نزول الآية:

.قال الفخر:

في سبب نزول هذه الآية قولان:
أحدهما: وهو قول عطاء ومجاهد والشعبي: أن هذه الآية نازلة في قصة اليهودي والمنافق، فهذه الآية متصلة بما قبلها، وهذا القول هو المختار عندي.
والثاني: أنها مستأنفة نازلة في قصة أخرى، وهو ما روي عن عروة بن الزبير أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في ماء يسقى به النخل، فقال صلى الله عليه وسلم للزبير: «اسق أرضك ثم أرسل الماء إلى أرض جارك» فقال الأنصاري: لأجل أنه ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للزبير: «اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر».
واعلم أن الحكم في هذا أن من كانت أرضه أقرب إلى فم الوادي فهو أولى بأول الماء وحقه تمام السقي، فالرسول صلى الله عليه وسلم أذن للزبير في السقي على وجه المسامحة، فلما أساء خصمه الأدب ولم يعرف حق ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم من المسامحة لاجله أمره النبي عليه الصلاة والسلام باستيفاء حقه على سبيل التمام، وحمل خصمه على مر الحق. اهـ.

.قال القرطبي:

الحديث ثابت صحيح رواه البخاريّ عن عليّ بن عبد الله عن محمد بن جعفر عن مَعْمَر، ورواه مسلم عن قُتَيبة كلاهما عن الزهريّ.
واختلف أهل هذا القول في الرجل الأنصاري؛ فقال بعضهم: هو رجل من الأنصار من أهل بدر.
وقال مكي والنحاس: هو حاطب بن أبي بَلْتَعة.
وقال الثعلبيّ والواحديّ والمهدوِيّ: هو حاطِب.
وقيل: ثعلبة بن حاطب.
وقيل غيره: والصحيح القول الأوّل؛ لأنه غير معيّن ولا مسمى؛ وكذا في البخاريّ ومسلم أنه رجل من الأنصار.
واختار الطّبريّ أن يكون نزول الآية في المنافق واليهودي.
كما قال مجاهد؛ ثم تتناول بعمومها قصّة الزّبير.
قال ابن العربي: وهو الصحيح؛ فكل من اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم فهو كافر، لكن الأنصاريّ زلّ زلّة فأعرض عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأقال عثرته لعلمه بصحة يقينه، وأنها كانت فَلْتَة وليست لأحد بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وكل من لم يرض بحكم الحاكم وطعن فيه وردّه فهي رِدّة يُستتاب.
وأما إن طعن في الحاكم نفسه لا في الحكم فله تعزيره وله أن يصفح عنه.
وسيأتي بيان هذا في آخر سورة [الأعراف] إن شاء الله تعالى.
وإذا كان سبب نزول هذه الآية ما ذكرناه من الحديث ففِقْهُها أنه عليه السَّلام سلك مع الزّبير وخصمه مَسلك الصَّلح فقال: «اسق يا زُبير» لقربه من الماء «ثم أرسل الماء إلى جارك» أي تساهل في حقك ولا تستوفه وعجّل في إرسال الماء إلى جارك.
فحضّه على المسامحة والتيّسير، فلما سمع الأنصاريّ هذا لم يرض بذلك وغضب؛ لأنه كان يريد ألاّ يُمَسك الماء أصلًا، وعند ذلك نَطَقَ بالكلمة الجائرة المُهلِكة الفاقرة فقال: آن كان ابن عمتك؟ بمد همزة أن المفتوحة على جهة الإنكار؛ أي أتحكم له عليّ لأجل أنه قرابتك؟.
فعند ذلك تلوّن وجه النبيّ صلى الله عليه وسلم غضبًا عليه، وحكم للزّبير باستيفاء حقه من غير مسامحة له.
وعليه لا يُقال: كيف حَكَم في حال غضبه وقد قال: «لا يقَضِي القاضي وهو غضبان» فإنا نقول: لأنه معصوم من الخطأ في التبليغ والأحكام، بدليل العقل الدالّ على صدقه فيما يبلّغه عن الله تعالى فليس مثل غيره من الحكام.
وفي هذا الحديث إرشاد الحاكم إلى الإصلاح بين الخصوم وإن ظَهَر الحقّ.
ومنعه مالك، واختلف فيه قول الشافعي.
وهذا الحديث حجة واضحة على الجواز؛ فإن اصطلحوا وإلاِّ استوفى لذي الحق حقّه وَثَبتَ الحكم. اهـ. بتصرف يسير.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

لا في قوله: {فلا وربك} فيه قولان: الأول: معناه فوربك، كقوله: {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] ولا مزيدة لتأكيد معنى القسم، كما زيدت في {لّئَلاَّ يَعْلَمَ} لتأكيد وجوب العلم و{لاَ يُؤْمِنُونَ} جواب القسم.
والثاني: أنها مفيدة، وعلى هذا التقدير ذكر الواحدي فيه وجهين: الأول: أنه يفيد نفي أمر سبق، والتقدير: ليس الأمر كما يزعمون انهم آمنوا وهم يخالفون حكمك، ثم استأنف القسم بقوله: {فَوَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ} والثاني: أنها لتوكيد النفي الذي جاء فيما بعد، لأنه إذا ذكر في أول الكلام وفي آخره كان أوكد وأحسن. اهـ.

.قال القرطبي:

واختلف أصحاب مالك في صفة إرسال الماء الأعلى إلى الأسفل؛ فقال ابن حبيب: يُدخل صاحب الأعلى جَميع الماء في حائطه ويسقى به، حتى إذا بلغ الماء من قاعة الحائط إلى الكعبين من القائم فيه أغلق مدخل الماء، وصرف ما زاد من الماء على مقدار الكعبين إلى من يليه، فيصنع به مثل ذلك حتى يبلغ السيل إلى أقصى الحوائط.
وهكذا فسّره لي مُطَرِّف وابن الماجِشُون.
وقاله ابن وهب.
وقال ابن القاسم: إذا انتهى الماء في الحائط إلى مقدار الكعبين أرسله كله إلى من تحته ولا يحبس منه شيئًا في حائطه.
قال ابن حبيب: وقول مُطرِّف وابن الماجِشون أحبُّ إليّ وهم أعلم بذلك؛ لأن المدينة دارهما وبها كانت القضية وفيها جرى العمل.
روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سَيْل مَهْزور ومُذَيْنِب: «يُمْسَك حتى الكعبين ثم يُرسْل الأعلى على الأسفل» قال أبو عمر: لا أعلم هذا الحديث يتصل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه، وأرفعُ أسانيده ما ذكره محمد بن إسحاق عن أبي مالك بن ثعلبة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه أهل مهزور فقضى أن الماء إذا بلغ الكعبين لم يحبس الأعلى.